آمنت البرازيل منذ ولادة كرة القدم في بلاد كرنفال ريو دي جانيرو بأن هذه الرياضة تتجاوز حدود «اللعبة» لتتحول الى حالة اجتماعية لا تختلف عن اي وجه من وجوه العادات والتقاليد.
هي البرازيل، رمز كرة القدم، امة كرة القدم، هي كرة القدم، شاء من شاء، وأبى من أبى.
ولكن لم هي «برازيل»؟ هي «برازيل« لأنها تختلف عن غيرها، لأنها جعلت من كرة القدم فنا واسلوب إمتاع ومصدرا لإغواء الآهات في صدور عشاق «المستديرة».
هذا السحر لم يعد، مع مرور الزمن، صفة لكرة القدم في «بلاد السامبا» بل اصبح ذاك السحر بحد ذاته كرة القدم البرازيلية.
منتخب البرازيل عرف عبر تاريخه بروعة الأداء، ما امن له جماهير وعشاقا بالملايين حول العالم وثلاثة ألقاب عالمية في 1958 و1962 و1970 في عهد «الجوهرة السوداء» بيليه وآخرين.
حتى ان البعض يرى بأن «برازيل 70» هو افضل فريق كرة قدم مر عبر التاريخ.
لم تتنازل البرازيل عن مبادئها في كؤوس العالم التي تلت وقد ترسخت بوضوح في مونديال 1982 في اسبانيا ومونديال 1986 في المكسيك على عهد المدرب الفذ تيلي سانتانا.
«منتخب 86» بالتحديد كان باهرا بوجود اسماء فتاكة من امثال زيكو وسقراط وجونيور بيد انه ودع المنافسات عند محطة الدور ربع النهائي امام فرنسا وبركلات الترجيح.
هذا الخروج كان قاسيا الا انه ابقى رأس البرازيل مرفوعا، كيف لا وقد بقيت وفية ل «السحر» ودفعت غاليا ثمن التزامها به.
مونديال 1990 في ايطاليا شهد خروج البرازيل من الدور الثاني امام الارجنتين بهدف وحيد من الهجمة الوحيدة ربما التي شنها «راقصو التانغو» على مرمى «راقصي السامبا».
البرازيل ودعت تلك البطولة إلا أنها رحلت مرفوعة الرأس نظرا لتمسكها بمبادئها «الساحرة» بقيادة المدرب لاتزاروني.
حتى عندما احرزت لقبها الرابع في مونديال 1994 في الولايات المتحدة الاميركية بقيادة كارلوس البرتو باريرا، جاء تتويج البرازيل مستحقا رغم اعتماد اسلوب اوروبي، على مستوى الفكر الدفاعي تحديدا.
ولا شك في ان حرفنة روماريو وفنيات بيبيتو ابقت على السحر قائما في اساسات «المنتخب الذهبي» وان بقدر اقل مما كان عليه الوضع في السابق.
ومع «الظاهرة» رونالدو والفنان ريفالدو والساحر رونالدينيو، احرزت البرازيل لقبها الخامس في كوريا الجنوبية واليابان العام 2002. صحيح ان مدربها في حينه لويس فيليبي سكولاري بقي وفيا للجانب الدفاعي، الا ان ومضات «ثلاثي الراء» حافظت على السحر كركن من اركان الانتصار المستحق.
عاد كارلوس البرتو وحان موعد مونديال 2006 الذي شهد تمسكا برازيليا اكبر ب «المبادئ الدفاعية» رغم اهداف رونالدو التي جعلت منه افضل هداف في تاريخ بطولات كأس العالم برصيد 15 هدفا. لقد ترسخ بعد كأس العالم 2006 ان «السحر» لم يعد متلازما والاداء البرازيلي.
جاء كارلوس دونغا وكان الهدف من تعيينه مدربا يتمثل بإحراز كأس العالم 2010.
فازت البرازيل على كوريا الشمالية بصعوبة وعلى ساحل العاج بفضل هدف «يدوي» من لويس فابيانو، وتعادلت مع البرتغال سلبا في مباراة هامشية.
بلغت الدور الثاني وتجاوزت تشيلي المحرومة من ثلاثة مدافعين اساسيين بسبب الايقاف.
صحيح ان الاداء تحسن امام الجار الاميركي الجنوبي الا ان السحر بقي مفقودا كما اراد دونغا.
ودعت البرازيل «جنوب افريقيا» اثر الخسارة المستحقة امام هولندا 1-2 في الدور ربع النهائي.
نعود في الذاكرة اليوم الى خروج «راقصي السامبا» من كأس العالم في الاعوام 1982 و1986 و1998 وبنسبة اقل 2006 وهي مرفوعة الرأس لأنها على الاقل التزمت ب «سحرها».
وفي مونديال 2010، قتل دونغا البرازيل مرتين، الاولى عندما رفض تبني «السحر» في الاداء فأفقد فريقه الهوية التي لطالما اعتز بها، والثانية عندما وضع «راقصي السامبا» بسبب اساليبه الدفاعية، خارج كأس العالم.
لو ودعت البرازيل المونديال بعد ان قدمت «سحرا»، لكنا رفعنا لها القبعات.
لو احرزت البرازيل اللقب بلا امتاع وفن وسحر، لكنا رفعنا لها القبعات ايضا.
ولكن ان تودع «العرس العالمي» دون ان «تعطي» شيئا، فهنا الخسارة الكبرى.